هل بالإمكان أن نعيش أكثر
( قصة قصيرة ... بقلم
عادل بسيوني )
...
إن الشغل الشاغل في هذه الدنيه أن يحْيا الناس فيها سعداء ، وذلك درءًا للملل أو التعاسه إلي غير ذلك من الأمور التي تؤدي إلي القنوط والإحباط وعدم الرضي فينتهي بهم الأمر بمأساه ليس كما كانوا يصْبُون إليه أو يتوقعون ، ويكون السبب في ذلك الغفله ونحن في حاله من الصراع بين النقيضين ( السعاده والبؤس ).ولأن الإنسان قد جُبِل علي حب الشهوات لنيل البهجه فمن طبيعته أن يبتعد عن المُنغصات وهذا أمر بدينيٍ "حياه الإنسان ليست طويله بما يكفي ليجرِب كل شيئ ، ولا قصيره بما يكفي ليذْكر كل شيئ ، ولكنها جميله بما يكفي إذا عرفت أنها لا تساوي شيئ فلا تشتكي من الأيام لأن ليس لها بديل ولا تبكي علي الدنيا لأن آخرها الرحيل واشْكُر الله تجد أن ما فيهاجميل ، الدنيه لا تُعطينا ظهرها ، نحن الذين نجلس عكسها.
إن التعامل مع الواقع يضمن لك السكينه حتي يأتيك الفرج . فإن صبرتم نُلْتُم وأمر الله نافذ وإن ماصبرتم كفرتم وأمر الله نافذ ، جميل أن يسعد الناس والأجمل أن نشاركهم فرحتهم وأن نلتمس لهم الغبطه لنراها علي وجوههم كما لو كنا نحن ، فيومٌ لهم ويومٰ لنا وبهذا نملأ حياتنا بالبهجه خاصه عندما يشارك بعضنا بعضًا هذا الشعور المُخْمَليٍ الرائع ، وكما أسلفنا هو شعور فطريٍ خارج عن شعور الذين في قلوبهم مرضٌ ، أحيانًا مانعاشر قيْحًا من البشر ، في وجوههم جمله من التعاسه التي لا معني لها فنصبر عليهم ، ولربما بمثل هذا الذي نكتب يتم الشفاء …
إن الذي لا يقتنص الفرحه يومًا ويحجز لنفسه مقعدًا في باحه البهجه بحضور الرفقه أو الصحبه أوالأهل عليه أن يتبوأ مقعدًا من البؤس ، فلا تذهبوا إليه بأرجلكم لأنه يومًا مواتيكم ، فالحياه جميله من هذا وذاك، لهذا يجب علينا أن نتكئ علي لحظات سعادتنا هذا كي نعْبُر بها ساعات الشقاء
كنت ذات مره في لندن في أوائل التسعينات علي ماأتذكر وكان ذلك في ( الزون ) الثاني أتنزه بإحدي الحدائق ، وقد أذهلني حسن تنسيقها الذي مهما أبدع المُنسق لن يخرج عن كونه مُبتكرًا لم يضيف شيئا علي أدوات الخالق الذي لولاه مااستطاع أن يضع بصمته علي منظومه هذا الجمال
إن الأشجار الملونه التي تتفق مع المسطحات الخضراءالممتده هنا وهناك بلا مللٍ والتي تضم العديد من البحيرات والنوافير والزهور في الأرجاء والموضوعه بحساب ورفق تاركهً الممرات الجميله التي سوف يُضاف إليها فيما بعد أصوات وإيقاع أقدام القادمين من سائر صنوف البشر ماكانت إلا لتضيف لحنًا شجيًا عنده تكتمل المنظومة حتي درجه الإنتشاء .
كان يومًا استثنائيًا كونه مشمسًا علي غير عادة مدينه الضباب كما يسمونها الإنكليز وعلي الرغم من أني كنت حاضرًا بقوه في الأرجاء إلا أنني فضلت أن أكون استثنائيًا في الجوار حتي أقرع كل أبواب السعاده تلك وأفتح النوافذ خِلْسه علي الشرفات المطله علي الفردوس ، وبينما كنت كذلك سمعت زوجتي تقول هل تأتي معنا أنا ومجدي سوف نذهب لإحضار بعض المأكولات من الجوار " وكان أخوها يعمل طبيبًا هناك ولا زال ، رمقتها بنظره التائه وقبل أن أُجيب ابتسمت وقالت ابق هنا فأنا أعْرفك " وأشارت إلي " ولا تنسي أيضًا أن إحداهن ترسم في الزاويه كونك مولعًا بالرسم " وانصرفت .
وقبل ما أُمَشط ما أنا فيه من حولي ، نظرت في الزاويه لكنني لم أكترث فقد كنت مستغرقًا حينها في تلك الشواهد المرمريه التي بدت لي عن قرب بين الشجيرات حيث كانت لأطفال قد فارقوا الحياه وقد كُتِب عليها كلمات لم تبدُ لي جليْه غير الأسماء والأعمار التي عاشوها بخطٍ واضح وكلها مابين الثلاثه إلي الخمسه سنواتٍ علي ماأذكر فقلت في نفسي سبحان الله ألأنهم هكذا فقد أُعتُبروا من الأبرار لهذا وضعوهم هنا كسكوكٍ للبراءة ٠ ماهذا الخيال الغائص في الحقيقه ليكتمل هذا الإيقاع المُخمليٍ الذي يتمايل بين بين السعاده والشحن في آن وكأنها كانت دعوه صريحه مابين الحكمه والجمال.
وبينما كنت كذلك بين التيه واليقظه سمعت أشخاصًا من حولي يضحكون كانت زوجتي وأخوها د . مجدي " أما زلت هنا مُتئكًا كما أنت إنهض لنأكل نظرت إليهما مؤشرًا إلي الشواهد وسألت … ألأنهم أطفال وضعوهم هنا ليكونوا عنوانًا لبراءه الحديقه فهم الخمائل الحقيقيه التي لم تُلوث بعد من بين البشر لهذا يشعر الناس بينهم بالسلام ؟ أم هم الفضاء الروحي للناس عندما يأتون إلي هنا فينالون منهم صكوك الغفران ويبرأون لساعات يقضونها دون خطاياهم ، ضحك مجدي وقال هؤلاء ليسوا أطفالًا اقترب قليلًا لتقرأ التفاصيل هؤلاء أُناس كبار بالعمرِ تقع أعمارُهم مابين الثمانون والتسعون لكنهم سجلوا فقط الأيام التي عاشوها سعداء في حياتهم واعتبروها حينئذٍ أعمارهم الحقيقيه . فهل بالإمكان أن نعيش أكثر ؟
...
بقلم
عادل بسيوني
https://www.facebook.com/adel.int.designer?mibextid=ZbWKwL
إحدي قصص الكاتب القصيره التي نُشرت في صحيفه صدي الوطن The AraB American News اكبر الصحف التي تصدر في أمريكا الشماليه ويتم توزيعها في الولايات المتحده وكل من كندا ولندن
