مقدمة ديوان ..
(بعض ما عندكم)
لمبدعة الثغر/
فاطمة علام
(أبلة فاطمة)
***
السمةُ الشعريةُ؛ والمعجمُ اللُغَوي هما خُلاصةُ التعبيرِ؛ عن كل تجاربِ المبدعِ الشعريةِ؛ وذلك مايتضحُ جلياً؛ ولا يجد القارئ صعوبةً في استنتاجهِ في باكورةِ إنتاجِ "علام" التي بين أيدينا؛ المُعَنْوَنَةِ "بعضَ ما عِنْدَكُم" فقد استطاعت (علام) ببساطةٍ منقطعة النظير؛عميقة التأثير؛ أن تُغلِّفَ موهبتها الإبداعية بِسَمْتِ (فيضانها الرومانسي) النابع من أسلوب حياتها؛ المتمثل في شخصيتها الإنسانية؛ وأن (تموسق) لنا سبعة؛ وثلاثين نصاً بين دفتي هذا الديوان؛ تحمل بصمتها الخاصة؛ ومفرداتها المتداولة عن غير قصدية منها؛ بين قصائد ديوانها التي جاءت موزعةً توزيعاً (فاطمياً) منطلقاً من ذاتها (الرومانسية الشاعرة) على عدة محاور؛ وكأنها تعمدت تقديم؛ وتقسيم تلك التوليفة المختارة المنسوجة بأبسط المفردات كما ينسج (العصفور) عشه (البسيط) من أعواد القش المتناثرة بين الربوع؛ وتغزلُ (دودةُ القز) خيوطها الحريرية من ورقة التوت الخضراء؛ وخلاصة عصارتها الذاتية .!
المحور الأول .
والذي كان له الحظ الأوفر من قصائد الديوان
جاء من خلال كَوْنِهَا (أُنثى) تُعْشَقُ وتَعْشَق بكل مافي العشق من جراح؛ وألم؛ وأحلام؛ وخيال؛ وصلح؛ وخصام؛ وتأرجح؛ وتباين للمشاعر؛ استطاعت أن تعبر عنه بكل وضوح؛ وشفافية عن شخصيتها العاشقة بلا تكلف؛ ولا زخرفة مصطنعة؛ ولا مساحيق خادعة؛ ولا إسفاف مبتذل؛ فاللغة لديها (شاعرة) وليست (شعرية) لذلك تعاملت معها (كوسيلة)؛ وليست غاية؛ وكأنها تُحَدِّث نفسها؛ مستحضرةً صورةَ الحبيب الذي يتلاعب بعواطفها؛ كما في قصيدتها المُعَنْونة (ميموري) التي تقول فيها:
(أنا الساذجة اللي تغدر بي/ وتضحك لي يروق قلبي كأنه مفيش/ وترجع تاني تهجرني وتنكرني/ وبارجع لك أشوفني باعيش .!)
ثم تعاود مخاطبة نفس الحبيب؛ في موقف آخر؛ بشعور مغلف ببعض الثقة في النفس؛ حينما تخاطبه في نصها المعنون (ألا أونا ألا دوي) قائلة:
(لسه مش قادر تصدق/إن قلبي هيقسى يوم/ وإن غدرك جرح علم/ بالقساوة والهموم/ لسه مش قادر تصدق/ إن يوم هاقدر أصدك/ وإن رغم العشق هاقدر/ أمحي من إحساسي نبضك .!؟)
ومن هذا النسق (الرومانسي) نسجت (علام) أكثرَ من نص كلها تدور في نفس السياق؛ وتعزف على ذات الوتر؛ وتحلق فوق ذات الروض؛ وترتشف من ذات الزهر؛ وتنتج من ذات الرحيق؛ مع اختلاف المذاق الذي يتناسب مع جو النص مثل
(من غير تمن/هنت عليك/معافرة/راجع ليه)
ثُمَّ تنتقل بنا إلى باقةٍ أخرى؛ ومحور آخر من نفس النسق؛ ولكن بتغريد؛ وشعور رومانسي مغاير؛ على الجانب الآخر من العشق؛ والرومانسية العذبة الحالمة؛ والذي تجلى في قصيدة (أنكر ليه) .. عندما شَدَتْ :
(أكدب لما ما أقولش باحبك/ ولا يقدر ينكرها لساني/ أكدب ليه وأنا حاسه بحبك/ يا آسرني ومالك وجداني) ..
ثم تعاود؛ وتؤكد هذا التجلي في نص آخر بعنوان "كوكبك" تقول فيه:
(ما اقدرش أقول لك/ قد إيه أنا باعشقك/ ومستحيل القلب يقدر يمنعك/ أو يخدعك/ أنت الهوا وأنت الحياة/ وانت الدوا لو قلت آه/ مش قلت لك إنك ملاك/ ونجم عالي في السما/ وأنا كوكبك/ ليه الظنون تتملكك وتشكك/ في القلب اللي سلم أمره لك؛ وحن لك)؛
ومن نفس المعين تنهل؛ وعلى نفس النول تغزل (علام) ما يؤكد تلك المشاعر؛ ويؤصل لهذه الأحاسيس؛ المفعمة بالفيضان العاطفي (الفاطمي)؛ والذي أبدعته تحت عناوين
(يخرب بيت نزار/ يا هووو/ عمري؛ والصبا/ ضي/ الواد الفلاتي/عاشق؛ ومغنواتي)
وبعد أن تفرغ (علام) من تلك الباقة التي قدمت نفسها فيها للقارئ كعاشقةٍ؛ ومعشوقةٍ؛ نراها تُبحر بنا في سفينة إبداعها لترسو بها على شاطئٍ آخرٍ من شواطئ بوحها؛ وهو شاطئ (الرومانسية الاجتماعية)؛ وكأنها توزع عاطفتها؛ وموهبتها على كل من حولها؛ وتجعل لكل منهم نصيباً مفروضاً فيها؛ فعزفت من هذا المقام العائلي قصيدة (عشرة العمر) إهداءً لزوجها؛ ورفيق دربها ..
(ممنونة لك يا حودة/ وباقدم ألف شكر/ يا ابو الصفات حميدة/ وفضل ماله حصر/ حسيتها وعشت فيها/ قلبك كأنه قصر/ يا عشرة عمري كله/ يا حب أمشي في ضله/ وفي ليلي ضي بدر)
ثم تتسع الدائرة (الفاطمية) العائلية لتشمل أباها عليه رحمة الله فتنشده (سيرة أبويا)
(كان يقوللي المال بيفنى/ والضمير ده شئ أساسي/ عمري ما انسى في يوم كلامه/ منهجي؛ وخطي الأساسي/ أما تيجي سيرة أبويا/ بالقى نفسي رافعة راسي)
وإذا نال الزوج؛ والأب نصيبهما من (الفيض الفاطمي) فمن المستحيل بمكان أن تبخس أمها من ذلك الفيض فتغرد لها (ذكريات) ..
(لما كانت روحنا حلوة/ وكنا نسمع أحلى غنوة/ بيت أبويا؛ ونور عينيه/ كانت اللقمة هنية/ كانت الضحكة تجلجل في القلوب/ لما حزني يزيد؛ وهمي/ كنت أجري لحضن أمي/ أنسى همي؛ وانسى غمي) ..
ومن وادٍ لآخر ترحل بنا (علام) حتى تحطَّ برحالِ إبداعِها في دائرةِ بَنِي (نوعها) النسائي مدافعةً عَنهُنَّ مُتبنِّيَةً قَضاياهنَّ مُبَلْوِرَةً هذه القضيةَ في نَصِّهَا (بنت حوا)
(قالوا عني عقلي ناقص/ حتى دينها/ بنت حوا دي ضعيفة من زمانها/ ما انت ناسي كل حاجة من حنانها/ برضو قالوا البنت عار/ حتى خلفتها مرار/ تندفن جوه الرمال/ واللي متكول عليها/ حمله مال/ أصل جت من ضلع أعوج/ يعني من الحتة الشمال)
ثم لا تقف عند هذه الحد من نصرتها للمرأة فنراها تدعم البنت بانشودتها (عيون المها) ..
(البنت حلم المشتاقين الموعودين/ البنت خير/ البنت حضن بيسحبك/ لبحور حروفها وترسمك/ وتحل لك/ فاوعاك من السكة الحرام/ البنت تعرف ربها/ تسجد تصلي فرضها/ قافلة عليها خدرها/ البنت محتاجة السلام/ وقلوب بيملاها الأمان .!) ..
وإلى فضاء مغاير من فضاءات (الفيض الفاطمي) تحلق بنا فوق باقة أخرى لتظهر فيها قدرتها الإبداعية على التعبير عن الدنيا وتقلبات البشر من واقع تجاربها الحياتية وردود أفعالها عليها لتشدو لنا في قصيدتها (مش عارفة ليه)
(الدنيا تملي معانداني/ وعاجبها الحال/ نفسي في إجابة ولو واحدة/ على ألف سؤال/ معروفي يقابلوه بخيانة/ ويقولوا ظروف/ لا عهد راعولي ولا أمانة/ ولا دارو كسوف .!) …
ولا يفوت (علام) مشاركة عامة الشعب في معاناتهم بصفتها واحدة من هؤلاء أصحاب الطبقة المتوسطة الذين يعانون غلاء المعيشة ولا يشعر بهم أحد فتجعل من إبداعها لسان حال لهم يعبر عنهم في قصيدتها (تراتيل) ..
(وش النهار طارح/ قشطة وبلح أمهات/ لكنه مش لينا/ مرهون بكيس سكر/ يا عمنا تشكر/ طبلية الأغاوات/ مليانة بالخيرات/ كتبوا الفقير عايش في صفحة الأموات/ صوت الحنين زاعق على الجدة والعمات/ ياليل مجمعنا فين راحت النجمات) …
ورغم كل تجارب (علام) السابقة التي عبرت فيها عن قدرتها الإبداعية في توظيف (موهبتها) لكثير من الأغراض الشعرية إلا أنه لم يَفُتْهَا في خضم كل تلك التجارب؛ أن تشارك المقاومة الفلسطينية؛ بإبداعها دعماً لها شأنها شأن كل مصري؛ وعربي؛ وحر؛ ومن نفس معينها الرومانسي العذب تغزل قصيدة (براءة طفل) من أروع؛ وأبدع قصائد ديوانها إهداءً لأطفال المقاومة الفلسطينية …
(أيوه أنا شفت البراءة/ كان في إيدها حصوتين/ هما أطفال الحجارة/ على الشجاعة مفطومين/ جاي بيلعب بالشهادة/ لفظ سمعه مرتين/ أدمنه بقى عنده عادة/ سُنَّة واجبة؛ وفرض عين/ الجهاد يا ناس عبادة/ لأجل أولى القبلتين) …
وهكذا طافت بنا (علام) في باكورة أعمالها الشعرية في عوالم مختلفة تتماهى معها بإبداعها؛ وتعبرعنها بأسلوبية أعتمدت الموسيقى الغنائية؛ والتعبيرات المباشرة؛ نستطيع تلخيصها في عدة نقاط ..
أولها/ الجمل الشعرية البسيطة في تعاطيها؛ وبنيتها اللغوية التي لا تحيل القارئ لمعجمٍ لمعرفة معناها؛ ولا إلى مُفسر لتفسيرها مما يتيح قراءتها لأكبرعدد؛ وأوسع قاعدة من القراء .
ثانياً/ الرومانسية الشعبية المهذبة للنفوس المحافظة على التقاليد؛ والأعراف .
ثالثاً/ تناصها في بعض الأحيان مع الموروث الغنائي المصري؛ وكأنها تكتب للغناء؛ ولا تكتب للقراءة .
رابعاً/ رغم وحدة العاطفة الرومانسية التي (تمدرست) عليها إلا أنها استطاعت ببراعتها توزيع إبداعها على أغراض شعرية مختلفة .
خامساً/ جاءت قصائدها معبرة عن شخصيتها الإنسانية فهي تبدع بنصف وعي؛ وإدراك؛ وبصيرة؛ ونصف استغراق تفتح عيناً على واقعها المعاش؛ وتغلق أخرى على الخيال؛ والهيام؛ والوجدان .
سادساً/ ديوان (علام) هو خطوتها الأولى على طريق الإبداع؛ وللأوساط الأدبية أن تستقبله بالدعم؛ والمؤازرة؛ رغم ما تحمله التجربة من مآخذ (نقدية)؛ ليقيني أنه لايزال لديها الأرقى؛ والأجمل؛ والأبدع لأنها تمتلك كلَّ مايؤهلها لذلك .
وقبل أن نغادر طوافنا هذا بقي لدينا عبقرية (علام) في اختيار عنوان ديوانها (بعض ما عندكم) رغم خلوه من أي قصيدة تحمل ذات العنوان في قصدية منها أرادت أن تبعث بها لكل فرد في المجتمع أن كل ما جاء من إيجابيات في جميع أغراض هذا الديوان فهو (بعض ما عندكم) وعلى الجانب الآخر كل ماجاء من إخفاقات؛ وسلبيات هو أيضاً (بعض ما عندكم) …!!
**
السيد طه السيد
الجيزة
السبت الموافق
29/4/2023

